يد على الزناد و يد في المفاوضات
تظهر
حالة من التفاؤل لدى بعض الأوساط حيال إيجاد مخرج للأزمة في سوريا, خصوصاً مع بدء الطريق
الحذر باتجاه "جنيف2". التجارب
السابقة على مدار السنتين الماضيتين تفرض ضرورة عدم الإنغماس بالتفاؤل بل على
العكس تفرض واقع السير بحذر, حيث ان بوابة الاحتمالات باتت مفتوحة على مصراعيها
بين التسوية السياسية و الفوضى و الصدام الاقليمي. فالتجارب مع الولايات المتحدة و
خصوصاً بعد مؤتمر جنيف الأول و أغلب مؤتمرات اصدقاء سوريا هي تجارب سلبية بامتياز.
الكثيرون
تساءلوا عن جدوى شروع الولايات المتحدة بإتمام اتفاق جنيف الاول مع موسكو. و
بالعودة إلى تفاصيل الأحداث في تلك الفترة, يظهر و كأن جنيف الأول كان من المفترض أن
يتم بعد احداث هزة في الداخل السوري عبر سيناريو قصف القصر الجمهوري, و الذي كان
المفترض ان يتم تسويقه على انه تم من قبل طائرات سورية منشقة, و يمكن العودة الى
تفاصيل هذا السيناريو بالرجوع الى حادثة انشقاق الميغ 21 في حزيران الماضي و
تفاصيل ما عرضته عدة قنوات فضائية و منها قناة الجزيرة. بعد هذه الحادثة مباشرة
اسقطت المضادات الجوية السورية طائرة تركية و اصابت أخرى في حادثة تم السكوت عنها
تركياً و عدم تضخيمها او استثمارها سياسياً. بعد الوصول الى جنيف في 30 حزيران
2012 تثبت الوقائع ان جنيف الاول لم يقد الى التسوية بل الى تأجيج الصراع فكان
هجوم دمشق الذي هدف الى شق المؤسسة العسكرية السورية و من ثم التلويح بالحرب
الاقليمية عبر هجوم حلب.
من
منظار امريكي, لا يمكن للتسوية السياسية في سوريا ان تتم دون ضمان ايجاد واقع جديد
للعلاقة الايرانية السورية من جهة و علاقة حزب الله بسوريا من جهة أخرى و التي
ستقود ضمنياً -وفقاً للعقلية الأمريكية- الى تسوية الحل النهائي في الأقليم. لهذا و
وفقاً للوقائع الحالية فان الرؤية الأمريكية الأشمل للتسوية لم تصل الى اكتمال
شروط الجلوس على طاولة المفاوضات الجادة. بالعودة السريعة الى احداث تاريخية سابقة, نجد
ان هذه الرغبة لم تغب عن الذهنية الأمريكية في التعامل مع سوريا, سواء في حقبة
بشار الأسد او سلفه الرئيس حافظ الأسد الذي ارتبطت اولى الأزمات في حماة منطقياً
بطرح مبادرة السلام العربية الأولى الذي أطلقها الأمير فهد (آنذاك). في العام
2002,مع إعلان مبادرة الأمير عبدالله (انذاك) بدأت بوادر الأزمة -خصوصاً- مع وصول
القوات الأمريكية الى العراق, و تحويل الرأي العام العالمي كامل باتجاه ضرورة
اسقاط النظام في سوريا و جلبه الى محكمة الجنايات الدولية, مع تعثر هذا المشروع كان الأجدى ضرب حزب الله في
لبنان لفرض الواقع الجديد على سوريا الخارجة من لبنان حديثاً, فجاءت حرب 2006. مع
فشل هذه الحرب كان لابد من احداث القطع الآخر بين سوريا و إيران اولاً عبر ضرب
الفصائل الفلسطينية المقاومة في غزة فجاءت حرب غزة 2008, و ثانياً, عبر إغداق
الاستثمارات القطرية- السعودية على سوريا و دخول تركيا لاحقاً لإتمام مشروع العزل
هذا.
اليوم,
لا يمكن النظر الى معركة القصير دون إغفال رمزية المعركة و معناها الحقيقي. فالحقيقة
أنها معركة استباقية تعمل على تجنيب فرض واقع القطع بين سوريا و حزب الله, و هي
معركة تشير في جوهرها الى رغبة الاطراف الكبرى في الجلوس على طاولة المفاوضات لكن
بعد فرض الواقع الجديد و امتلاك أوراق تفاوضية اقوى. من هنا يمكن النظر الى زيارة نائب
وزير الخارجية الروسي بوغدانوف الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله,
على أنها غطاء دولي سياسي تقدمه روسيا للحزب في مرحلة حساسة جداً, الأمر الذي قد
يفسر النمطية الجديدة لخطاب السيد نصر الله و الذي أعلن فيه أن اصدقاء سوريا لن
يسمحوا بسقوطها. اما الغطاء العسكري فجاء برمزية وصول البوارج الروسية الى البحر
المتوسط و الحديث عن وصول صورايخ S300
الرادعة و التي أدت ضمناً الى تحرك نتينياهو باتجاه موسكو.
الرادعة و التي أدت ضمناً الى تحرك نتينياهو باتجاه موسكو.
كل هذه الأحداث بلا شك هي مخاض طبيعي للوصول الى جنيف 2, و الذي يحتاج الى تهيئة الأرضية المناسبة للتفاوض عبر تحقيق الانجازات على الارض. من الملفت للنظر أيضاً الوقوف على رسالة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي ذكر الادارة الروسية بان للولايات المتحدة مصالح استراتيجية في سوريا, خصوصاً مع تعثر الرغبة الأمريكية بإحداث القطع الفاصل بين حزب الله و سوريا. هذا ما قد يفسر لاحقاً, السعي الأمريكي للتركيز على محاولة عزل سوريا عن إيران عبر تفعيل الأردن سياسياً ليكون النقطة العازلة بين الهلالين الشيعي و السني خصوصاً أن الأردن في الآونة الاخيرة بدا واقعه الجيوسياسي يعمل على تسويقه اقليمياً عبر البحث عن تحالف استراتيجي مع العراق في ملف النفط, والذي من المفترض ان يعمل على تحريرالأردن و العراق من التبعية الخليجية و يفتح أفآق جديدة لعلاقات الأردن مع المحور الجديد المتشكل من العراق الى روسيا،ضمن هذا السياق جاءت ايضاً زيارة وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي الى عمان.
اذاً
الولايات المتحدة تعود بالأردن الى نقطة البداية عبر فرض إستقبال مؤتمر اصدقاء
سوريا أوبصورة أدق مؤتمر" حلفآء أميريكا" على عمان و الذي تزامن مع أزمة
شعبية أردنية مع العراق على خلفية أحداث ظهرت في شريط فيديو لفعالية نظمتها
السفارة العراقية في الأردن.
في
النهاية من المهم جداً ملاحظة حالة تبادل الأدوار بين اللاعبين الإقليمين و على
الأخص إعادة التموضع السعودي على الساحة الاقليمية, فعودة السعودية لأخذ زمام
المبادرة في الأزمة السورية على حساب قطر يبدو واضحاً, و هذا ما يفسر التواصل السعودي مع أكبر
اللاعبين الاقليميين إيران عبر زيارة وزير الخارجية صالحي للرياض و تركيا عبر
زيارة ولي العهد السعودي لأنقرة مؤخراً، هذا التحرك الاقليمي الجديد قد يعطي
للمبادرة التركية القادمة فرصة كبيرة للتبلور و النجاح و الذي قد ينعكس أيضاً على
جنيف 2.
أما أردنيا من المهم أن تبقي عمان على خطوط الاتصال مفتوحة مع كل الأطراف وتحافظ uعلى حضورها الفعال في مختلف المحافل و العمل على الحفاظ على الانخراط في مجمل الملفات الاقليمية من سوريا الى العراق و الضفة الغربية.
د.عامر السبايلة
http://amersabaileh.blogspot.com
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire