29 mai 2008

1948 - 2008 Palestine

رئيس الحركة الإسلامية بأراضي 48 لـ "إسلام أون لاين":

رائد صلاح: الحركة تجاوزت التعصب ومنهجنا تربوي دعوي

مشهد الترحيل قبل 60 عاما من نكبة فلسطين يتكرر حتى الآن

حوار/ عبدلاوي لخلافة


الزميل لخلافة يحاور الشيخ رائد صلاح
الزميل عبدلاوي لخلافة يحاور الشيخ رائد صلاح

مقابلة الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية بأراضي 48، بالتزامن مع الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين من لدن الاحتلال الصهيوني، تكتسي أهمية خاصة، سواء بالنظر لخصوصية الرجل أو خصوصية اشتغال حركة إسلامية تحت نير الاحتلال.

فالرجل واضح في أفكاره وسلس في أسلوبه وثابت في مواقفه وآرائه، وبصوت خفيض تمت المحاورة، مع أن صوته ظل يرعب العدو الصهيوني وحلفاءه، وجاءت أعمال إعمار الأقصى والدفاع عن المقدسات بفلسطين لتمنحه وسام "حارس الأقصى" بلا منازع من ضمن إخوة له يناضلون على واجهات متعددة من أجل التحرر والانعتاق بعد ستين سنة من اغتصاب فلسطين من حظيرة الدول الإسلامية والعربية.

في هذا الحوار الذي أجري معه إثر زيارته الأولى للمغرب، يتحدث الشيخ رائد صلاح عن عمل الحركة الإسلامية بأراضي 48 وملامحها الدعوية والتربوية، وطبيعة علاقتها مع باقي المكونات الإسلامية والفلسطينية.

ويوضح مظاهر من المراجعة الفكرية التي قامت بها الحركة الإسلامية بفلسطين، ومبررات اختلافه مع الشيخ عبد الله نمر درويش بخصوص المشاركة في "الكنيست" الإسرائيلي، والتي أحدثت انقساما داخل الصف الإسلامي بفلسطين الداخل.

ويقدم صلاح نظرته الخاصة لمسيرة "حماس" في المشاركة السياسية وتداعياتها، مبينا دواعي تركيز الحركة الإسلامية بالداخل على العمل الدعوي والإغاثي، داعيا كل مسلم إلى بذل كل غال، والقيام بما يستطيع لإنقاذ الأقصى من الإجراءات الصهيونية لتهويده والأخطار التي تهدده.

الحركة الإسلامية في فلسطين

* بداية.. الشيخ رائد صلاح، ما هي طبيعة وخصائص الحركة الإسلامية بأراضي 48 بفلسطين؟

- الحركة الإسلامية بفلسطين هي حركة وسطية دعوية تربوية، تسعى إلى تجديد الدين والإيمان في حياة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وتستمد دورها من فهمها السليم للقرآن والسنة، وهي تجتهد لتجديد أمور الدين في فهم الناس وسلوكياتهم، وتجتهد كذلك أن تبني المؤسسات الإسلامية المختلفة من أجل أن تحمل هموم الناس في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني.

وبناء على ذلك، فللحركة الإسلامية مؤسسات تعليمية وصحية، ومؤسسات تعنى بشئون الطفولة والأمومة، ومؤسسات تعنى بشئون الأرض والمقدسات، وعندها مؤسسات تعنى بشئون الطلاب الجامعيين وربط شبابنا بالقرآن الكريم طمعا في تحفيظه غيبا، وبشكل خاص لها جهودها الواضحة في نصرة القدس الشريف عموما، والمسجد الأقصى خاصة.

وهي تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من هذا العمق الفلسطيني العربي الإسلامي، وطموحها جزء من طموح الحاضر الإسلامي العربي، الذي يسعى لتجديد دوره الحضاري القيادي العالمي من جديد.

ونحن عندما نعتبر أنفسنا جزءًا من هذا الطموح، فإننا نزداد يقينا بأن مرحلة الوهن التي يعيشها هذا الحاضر هي مؤقتة وليست أبدية، وسنجتازها نحو مرحلة قادمة بشرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي مرحلة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا.

*ما هي الإكراهات والتحديات التي تتعرض لها الحركة الإسلامية بفلسطين تحت الاحتلال، وأي توصيف لها؟

- معاناة الحركة الإسلامية بفلسطين هي جزء من معاناة مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، فلا زلنا نعاني من ظلم تاريخي وقع علينا منذ 1948 ميلادية، ولا نزال نعاني من تمييز عنصري من قبل المؤسسة الإسرائيلية، ونعاني من اضطهاد ديني من قبل المؤسسة الإسرائيلية، وهي تعمل باستمرار على مصادرة أرضنا وهدم بيوتنا، ولا تزال تسعى إلى صناعة الظروف المناسبة لحساباتها من أجل ترحيلنا، كما كان مشهد الترحيل سابقا قبل 60 عاما من نكبة فلسطين.

ولا تزال تلقي علينا بمطاردة أمنية وبوليسية من أجهزتها المختلفة، ومطاردة أبنائنا بالاعتقالات والتحقيقات المفتعلة والزج ببعضهم في السجون لسنوات طويلة، وهو مشهد قائم إلى الآن، بل تجاوز الأمر ذلك ودخلت إسرائيل مرحلة هستيرية في تعاملها معنا؛ فهي تقتل في هذه الأيام بدم بارد وبلا تردد، وقد حدث مثل ذلك عام 2000، ولا يزال المشهد يتكرر كل أشهر معدودة؛ حيث تقوم الأجهزة الأمنية بقتل أبنائنا تحت ذرائع مختلفة، وهذا يدل على أننا أصبحنا مستهدفين في أرواحنا بعد أن كنا مستهدفين في أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا.

وإلى الآن لا تزال المؤسسة الإسرائيلية تصادر كل أوقافنا الإسلامية، التي تساوي1/16 (واحد على 16) من أرض فلسطين التاريخية، وتجرف مقابرنا وتقيم عليها الفنادق والمدارس والأحياء السكنية، وتنتهك حرمات عشرات المساجد وبعض الكنائس وتحولها إلى مطاعم وخمارات وحظائر لتربية الأغنام؛ ولذلك فصراعنا مع هذه المؤسسات صراع يزداد حدة وتوترا يوما بعد يوم.

الصوفية والسلفية والحركية

الشيخ رائد متحدثا في مؤتمر بالمغرب

*هل يمكن إعطاء توصيف دقيق للحركة الإسلامية في فلسطين من حيث توجهاتها ومشاربها الصوفية والسلفية والحركية؟

-هي حركة إسلامية أصيلة من حيث تمسكها بالكتاب والسنة، وهي تحاول أن تستفيد من وسائل العصر الحديثة لنصرة الإسلام، وتستفيد من تجربة الصحوة الإسلامية العالمية بكل ما فيها من مشارب وإيجابيات موجودة فيها، وهي حركة تصر عن سبق إصرار على التواصل مع العمق الإسلامي والعربي والفلسطيني؛ لأنها تعتبر نفسها فرعا من هذا الأصل، الذي لا يمكنها التنازل عنه، بل من قوتها وديمومتها أن تتواصل رغم الاختلافات.

وهي تؤمن أن الإعلام الصادق يحمل الكلمة الحرة لنصرة قضايا الإسلام والمسلمين والعالم العربي والشعب الفلسطيني، ولذلك لها دورها وصولاتها في الإعلام محليا وفي مؤتمرات إعلامية عالميا، وكان لها المشاركة باعتزاز -على سبيل المثال- في مؤتمر القدس الدولي في إستانبول، وفي المؤتمر السادس لفلسطينيي أوروبا بكوبنهاجن، والمشاركة باعتزاز في هذه الجولة الأخوية لبلاد المغرب.

وهي حركة في نهاية الأمر تؤمن ببناء ذاتها ومجتمعنا في الداخل على قاعدة المجتمع العصامي، الذي يحيي قدراته ويحفظها ويطورها، ويبني مؤسساته، التي من شأنها أن تلبي حاجاته المختلفة اليومية حاضرا ومستقبلا.

ونحن -بناء على تجربة الصحوة الإسلامية المعاصرة- نرى أن الجانب الروحي أساس في بناء الفرد وسيرته، ونجد أن التمسك بالأصول من القرآن والسنة هو المعنى المطلوب للسلفية، ونجد أن الوسطية المتفهمة لعثرات المسلمين والتي لا تسارع إلى تكفيرهم أو تخوينهم أو تنفيرهم هي مطلب أساسي حتى نستطيع الوصول إلى كل القطاعات من المسلمين، من الطائع إلى العاصي؛ لنكون عنوانا لهم ورحيما بهم.

* ما هو دور الحركة الإسلامية بداخل أراضي 48 لدعم نضال فلسطين خارجها مثل حماس والجهاد وغيرهما؟

نحن ندرك أن علينا واجبا ثقيلا في مسيرة شعبنا الفلسطيني، وعلى هذا الأساس، فمنذ بدايات الانتفاضة الأولى في آخر الثمانينيات كان لنا الدور الإغاثي، ولا زلنا نقوم بهذا الدور، فلدينا مؤسسة تكفل 16 ألف يتيم من أيتام شعبنا الفلسطيني، وتقوم بين الفينة والأخرى بإغاثة متواصلة إما مدرسية أو طبية أو رمضانية وفي الأعياد.

ولنا الدور النضالي الجماهيري ما بين الجانب الإعلامي وتنظيم المظاهرات والمسيرات والمهرجانات والمؤتمرات الصحفية بهدف فضح كل جرائم الاحتلال الإسرائيلي وتوجيه خطابنا الأخوي إلى حاضرنا الإسلامي والعربي على صعيد الحكومات والعلماء والأحزاب والشعوب، ولدينا دورنا البارز في مساندة رأس القضية الفلسطينية، وهو حق عودة اللاجئين، وفي مساندة تاج القضية الفلسطينية وهي قضية القدس الشريف والمسجد الأقصى، ولا نتردد في القول إننا في وجه سياسة تهويد القدس قولا وعملا، وفي وجه أي اعتداء على المسجد الأقصى المبارك، قلناها وأعلناها، ولا نتردد في الصدع بها.

والمسجد الأقصى حق إسلامي وعربي وفلسطيني خالص، ولا وجود للمجتمع الإسرائيلي فيه حتى قيام الساعة ولو في ذرة تراب منه.

وهذه عناوين موقفنا، ومنطلقات دورنا، قمنا بها ولا نزال، ولن نتراجع عنها رغم ما واجهنا من لأواء بسببها.

* هل يمكن أن تعرفنا بالملامح الكبرى للحركة الإسلامية دعويا وتربويا؟

- الملامح التربوية والدعوية للحركة الإسلامية هي تخريج الشخصية الفلسطينية المرتبطة بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما وسلوكا، وأن نكون على وعي بتاريخنا الإسلامي وسيرة رسولنا عليه الصلاة والسلام ومسيرة الحضارة الإسلامية ومعرفة مراحل ارتقائها وتعثراتها إلى أن وصلت إلى واقع الوهن الذي تعاني منه، وفي الوقت نفسه فإننا نحرص في مشروعنا التربوي والدعوي على إحياء القيم الإسلامية في حياة الفرد والبيت والمجتمع، طامعين أن تصبح هذه القيم عنوانا للأمة تعرف بها، وهذا ما أراده القرآن لنا يوم أن دعانا إلى أن نكون خير أمة أخرجت للناس، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونحن نؤمن أن بناء الرجل والمرأة مطلوب، سواء بسواء؛ لأن لهما دورا في هذه المسيرة.

وللحركة الإسلامية مؤسسات يقوم عليها نساء، كما أن هناك أخرى يقوم عليها رجال، والحمد لله، فهي مسيرة مباركة تحاول أن تستثمر فيها كل طاقة من طاقات أبنائها نحو تقوية هذه الصحوة الإسلامية دعوة وتربية ومؤسسات وقدرة على حمل هموم مجتمعنا.

من النضال إلى الإغاثة

نكبة فلسطين

*شيخنا الفاضل، نستسمحكم الانتقال إلى بعض القضايا ذات البعد الحركي والتطبيقي في الواقع الفلسطيني حاضرا.. تشير بعض التحليلات الإعلامية إلى تحول الحركة الإسلامية من العمل النضالي والعسكري إلى التركيز الإغاثي الخيري، هل هذا التحول إستراتيجي أم تكتيكي؟

- الحركة الإسلامية بفلسطين مثل أي حركة إسلامية في العالم لها تجربتها، وتسعى إلى الاستفادة من تجربتها وفهم الواقع الذي تعيش فيه، والإمكانيات التي تمتلكها.

وبناء على ذلك فهي تجتهد لتبني لها دورا مناصرا لهمومها وهموم الحاضر العربي الإسلامي الفلسطيني المحيط بها.

ولذلك، فالحركة الإسلامية اليوم تتبنى المشروع الدعوي التربوي واستثمار كل إمكانية مشروعة لتجديد عملها لنصرة كل قضايانا، سواء كانت إمكانيات إغاثية أو إعلامية أو سياسية.

ولا شك فالحركة تجاوزت تلك البدايات المتواضعة، سواء من حيث من لحق بها ومن حيث تأثيرها الضعيف جدا في السابق، خاصة إذا قورنت بما هي عليها الآن؛ إذ نجد أنها اجتازت مرحلة كبيرة في عملها بفضل الله، وهي اليوم تعد الحركة الأولى في مسيرة مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل، ذات وزن وذات أثر، وذات قوة، وإن شئت سمها سياسية أو إعلامية أو جماهيرية أو إغاثية، فهي تملك كل ذلك بفضل الله تعالى رب العالمين، ولها مؤسساتها اللامعة على الصعيد المحلي والقطري والعالمي، فإن ذكر المسجد الأقصى ستذكر مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، وإن ذكرت القدس تذكر مؤسسة القدس للتنمية، وهي من مؤسسات الحركة الإسلامية، وإن ذكر جيل الطفولة والأبناء تذكر مؤسسات "حراء"، التي تربي الآن 12 ألفا من أبنائنا وتحفظهم كتاب الله تعالى، وإن ذكر العمل الجامعي تذكر مؤسسة "اقرأ" للعمل الجامعي، وفي العمل النسائي تذكر مؤسسة "مسلمات من أجل الأقصى" ومؤسسة "سند" للأمومة والطفولة، و"صانعات الحياة" ومجلة "إشراقة" للإعلام النسائي.

هكذا بدأت، فهي عاشت تجربة واستفادت منها، وهي تحاول أن تستثمر هذه التجربة لتطوير أدائها بشرط أن تبقى ثابتة على مواقفها ومع أصولها وثوابتها، لا تنازل عنها.

* هل يمكن إذن أن نتحدث عن وجود مراجعة فكرية في تصور الحركة الإسلامية بفلسطين للعمل الإسلامي؟

- دعني أقول إنه قد تكون هناك مراجعة فكرية، لكن هي في غالب الأمر تكون في دورها وفي وسائل عملها.

ولا شك أننا استفدنا من تجارب إسلامية سابقة، ففي البداية كان يغلب على الحركة ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح التزمت ورفض الآخر.. ولكنها اليوم نجدها تجاوزت هذا الوصف، وهي تحاول احتضان كل هموم مجتمعنا العربي الفلسطيني، وتدرك أن فيه تعدديات دينية وسياسية، وتدرك أن فهمها الإسلامي يلزمها بحسن استيعاب هذه التعدديات، وتعرف كيف تتفاهم معها وتتعاون معها في مسيرة مجتمعنا العربي الفلسطيني.

ولذا، فالحركة الإسلامية بدأت تدرك أن هناك قضايا قد تخصها، وأيضا هناك قضايا تخص كل المجتمع الفلسطيني في الداخل، ومن الخطأ الكبير أن تتعامل الحركة الإسلامية مع هذه القضايا العامة وكأنها هي الموجودة لوحدها وصاحبة الدور في هذه القضايا مثل قضية الأرض والمسكن واللاجئين والسجناء السياسيين وملف الشهداء وقضية النقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللبد والرملة)، وقضايا الأوقاف والمطاردة البوليسية، فكل هذه القضايا وغيرها نجد أن الحركة الإسلامية بدأت تعي أنها قضايا عامة يجب أن تحشد لها جهودها وقدرات كل من يقول: "نعم لمواجهة الظلم والتصدي له".

ونحن لدينا نشاطاتنا التي يمكن أن تكون للحركة الإسلامية فقط، ولدينا نشاطات نكون فيها جزءًا من كل نسيج تعددياتنا السياسية والدينية في داخل مجتمعنا.

دخول الكنيست الإسرائيلي

الشيخ عبدالله نمر متحدثا في ذكرى النكبة

*فجرت قضية الترشيح لدخول "الكنيست" الإسرائيلي اختلافا داخل الصف الإسلامي في الداخل، وأدى إلى انقسام لدى جنابكم الشيخ عبد الله نمر درويش؟

- هذا أمر مؤسف طبعا قد وقع، ونحن منذ الأساس لم نخبئ موقفنا ولم نصادم قناعاتنا، وقلنا وما زلنا نقول إن ما يعرف بالكنيست هو أصلا جزء من نفس المشروع الصهيوني، ولا يعقل أن نقف محذرين من مخاطر المشروع الصهيوني وفي الوقت نفسه ندخل في مشروعه ونشارك في أدوات مشروعه، وأبرزها الدخول في الكنيست، والعاقل هو الذي يتعظ بتجربة غيره، وليس شرطا أن ينتظر حتى يتعظ بتجربة نفسه.

ولهذا نظرنا إلى من دخل الكنيست من قبل، مثل بعض الشخصيات الفلسطينية في الداخل، وجدنا أن هذا الدخول لم يكن إلا ذا وجود مهمل شكلي واحتجاجي، ونحن نربأ بأنفسنا أن نقوم بهذا الدور؛ لأننا حركة جدية وعاملة، ولا تقوم على مجرد شهوة سياسية أو إطلاق التصريحات الشاجبة والمستنكرة.

والدور الاحتجاجي لا يشترط للقيام به أن نكون في الكنيست فقط، بل نحن بإمكاننا القيام بذلك من خلال منابر كثيرة نملكها والحمد لله، ومن خلال قراءة التجارب السابقة ودراسة ماهية الكنيست، ندرك يوما بعد يوم أنه لا يجوز لنا أن نستدرج للدخول إلى هذا الطريق الشائك والخطير جدا.

* بالإضافة إلى ما سبق، ما هي المبررات الموضوعية التي اعتمدتم عليها لاتخاذ هذا القرار الجازم نحو الكنيست الإسرائيلي؟

- المبررات هو ما وقفنا عليه في واقع حياتنا، فأن يكون مشروع الكنيست هو مشروع الكيان الصهيوني فهذا مبرر حتى نقف موقف الحذر منه، وثانيا عندما نعرض تجربة كل من دخل الكنيست من العرب ونجد أن نتيجتها تئول إلى الصفر، لنقول لا للكنيست، وأن نبرز تجربة من دخله بأنها لا تتعدى خطوة الصوت الاحتجاجي، وأنها أوجدت نوعا من عدم الثقة المتزايدة والمتصاعدة بين هؤلاء الأشخاص وهم في الكنيست وبينهم وهم في المحيط الفلسطيني العام، أيضا هذا مبرر لنقول لا للكنيست، وكل هذا يضيء لنا ضوءا أحمر محذرا من مغبة طريق الكنيست.

وأقولها بصراحة، إلى الآن ما تزال المؤسسة الإسرائيلية تحاول أن تستدرجنا بلغات مختلفة، وأذكر هنا مثالا: عندما كنت معتقلا في منتصف عام 2003م قال لنا بعض مسئولي المؤسسة السجنية: إذا أبديتم استعدادا لتوجه جديد نحو المشاركة في الكنيست سنفتح ملف حوار معكم، وطبعا رفضت الأمر في حينه، وأجبت جوابا شديدا؛ لأنني شعرت أن الموقف يحتاج إلى الجواب الشديد، وقلت لمن عرضوا علينا العرض: اعلموا أننا سمعنا عرضكم ووضعناه تحت أقدامنا.

ولذلك أقول بصراحة: نحن لسنا أصحاب تجربة أيام، وتجربة مجتمعنا مع الكنيست ليست تجربة أشهر، بل هي تجربة تجاوز أكثر من خمسين عاما، وكل تجربة تقول لنا: احذروا أخطاء غيركم ولا تكرروها.

حوار حماس وإسرائيل

مشعل وهنية

*كيف تنظرون إلى بوادر فتح حوار بين "حماس" وإسرائيل والضغوط الدولية العربية والغربية لفتح هذه القناة؟

- في تصوري أن نقول إن "حماس" فتحت حوارا مع إسرائيل فيه استعجال إعلامي؛ لأن فهمنا ليس كذلك، فرغم أننا لا ندعي أن لنا معلومات خاصة، لكنه من خلال استيقاء معلوماتنا من الإعلام بكل نشراته ومقالاته، ندرك أن حماس دخلت تجربة سياسية بقاعدة شفافة وديمقراطية، لكن -وسبحان الله- نجد أصحاب النفاق السياسي عالميا على صعيد أمريكا وأوروبا، الذين أشبعونا بالحديث عن شعارات الديمقراطية، نجدهم قد خانوا هذه الشعارات وتنازلوا عنها يوم أن أدت إلى نجاح حركة حماس، لا لسبب إلا لكونها اتجاها إسلاميا في دائرة المسيرة الفلسطينية.

فحركة حماس، وكما يعلم الجميع، رفضت هذا الدجل السياسي وهذا النفاق الرخيص، وأصرت أن تقوم بدورها، لكن في الوقت نفسه أصرت على الحفاظ على وحدة البيت الفلسطيني تحت سقف حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وكانت هناك جهود مباركة، قام بها أكثر من اتجاه في الحاضر الإسلامي والعربي والفلسطيني، وكنا من القوم الذين اجتهدوا في أن نسهم، ولو بجهد المقل، من أجل الحفاظ على وحدة الموقف والبيت الفلسطيني، ولكن ما يحدث هو أن القوة المتكبرة الظالمة والمستبدة حاولت أن تسحق كل هذه الجهود وتلغي ثمارها، وأن تفرض على المسيرة الفلسطينية واقعا متأزما ومنشقا على نفسه؛ بهدف أن تحفظ جو الصراع الداخلي والاحتراب الذاتي.

وللحقيقة فهذا الأمر مشاهد اليوم بوضوح، وفي الوقت نفسه نجد القوة الظالمة المتكبرة تقوم بجريمة حرب كبرى، وفي بعض الأحيان أخجل من هذا الحاضر العالمي عندما يلوذ بالصمت أمام الحصار التجويعي حتى الموت على مليون ونصف مليون فلسطيني منذ عامين، لا لسبب إلا أنهم اختاروا في انتخابات حرة وديمقراطية نزيهة خيارهم السياسي الفلسطيني مثل أي شعب في العالم.

وكل هذه الظروف وغيرها اجتمعت على تجربة حماس مما لا شك فيه، ولم تكن إسقاطاتها على حماس فقط، بل كانت إسقاطاتها على كل المجتمع الفلسطيني، وهو الآن يعاقب في قطاع غزة وفي وجوده كلاجئين في كذا بقاع الأرض على اختياره لحركة حماس.

وأنا على يقين من قراءتي ومتابعتي للإعلام أن حماس أدركت كل ذلك، وهي تحاول أن تجتاز هذه الأزمة على قاعدة الحفاظ على الثوابت، وفي الوقت نفسه استثمار الإمكانيات التي بين أيديها للخروج من هذا الحصار ومن هذا المأزق لتجديد وحدة الحكومة الفلسطينية، وهذا من حقها الكامل، ولعله بحمد الله رب العالمين ينجح، وإذا نجح قطعا لن يصب في مصلحة "حماس" الحركية فقط، بل سيصب في مصلحة الشعب الفلسطيني.

مشروع إعمار القدس

* أخيرا.. أطلقتم مشروع إعمار القدس.. لإنجاح هذا المشروع ما هي الرسالة التي توجهونها لكل عربي وكل مسلم لدعمه وإنجاحه؟

- عندما نقول إن "القدس في خطر"، أي أن هناك خطرا أن تضيع أرض القدس، وأن تضيع عقارات ومقدسات القدس، وهناك خطر أن تضيع مؤسسات القدس على صعيد المدارس والمستشفيات والمراكز الاجتماعية، وهناك خطر أن تضيع الحياة الاقتصادية والتجارية في القدس، وهذا سيشكل حصارا خطيرا وضغطا كبيرا على أهلنا المقدسيين، وهو جزء من مخطط الاحتلال الإسرائيلي؛ لأنها تحلم أن تفرض سياسة التطهير العرقي على أهلينا المقدسيين؛ كي تستفيق في يوم من الأيام وفق حساباتها السوداء، وقد أصبحت القدس بلا وجود فلسطيني، بل بوجود أحادي هو الوجود اليهودي.

وكل هذه المخاطر تتصاعد على القدس، ونحن ننظر إلى القدس اليوم ونجد أن المؤسسات الصهيونية الصليبية عالميا تتعاون على تهويد القدس، ولذلك فنحن نطلقها صرخة تحذير "القدس في خطر"، وبإمكاننا إنقاذ القدس فورا وأن نساندها بحفظ أرضها وعقاراتها وبيوتها ومقدساتها ومؤسساتها، وأن نثبت الوجود الفلسطيني في القدس حتى يبقى هو الغالب عددا وأثرا وعنوانا إن شاء الله.

ونحن نقول كما قلناها بالأمس وسنبقى نقولها في المستقبل: نحن نرحب بافتخار واعتزاز بكل جهد مبارك من حاضرنا العربي والإسلامي لمد يده الطاهرة والمعطاءة، ونتعاون معه إن شاء الله للقيام بكل مشروع، رغم ما يظنه البعض صغيرا، للحفاظ على إسلامية وعروبة وفلسطينية القدس الشريف.

وهذا يعني في المحصلة الواضحة الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك والوقوف في وجه المؤسسة الإسرائيلية التي حلمت وما تزال تحلم أنها لن تتوقف إلا إذا هدمت المسجد الأقصى وبنت هيكلا مكانه، وحتى لا يكون كل ذلك سنظل نقول: "القدس في خطر، المسجد الأقصى في خطر، وتعالوا لنرفع عنهما هذا الخطر".


** صحفي مغربي

Aucun commentaire: