moqawama

التلويح بالحرب أساس المرحلة الانتقالية القادمة

الماكينة العسكرية الأمريكية استطاعت تحريك مياه التسوية الساكنة بمجرد التلويح بالعمل العسكري, و الذي نقل فعلياً الأزمة السورية الى مرحلة "اللاعودة"  أي مرحلة "الحسم النهائي".

اما المحور الروسي فعمل بدبلوماسية عالية ضمن استراتيجية تجريد الولايات المتحدة من شرعية اعلان الحرب, و التي بنيت على أساس الوصول بقضية الاسلحة الكيماوية الى الحل المنطقي الذي ينهي ضرورة اللجوء الى الحرب. هذه الاستراتيجية هدفت الى تحقيق التالي: 

- تجريد الولايات المتحدة من ورقة القدرة على شن الحرب.

- كسر ثنائية السيطرة على الملف السوري بين روسيا و اميركا و اعطائها بعدها الدولي سواء على طاولة قمة العشرين او بعد المبادرة الروسية.

- ادخال الأمم المتحدة كلاعب أساسي في المعادلة و بالتالي اعادة الملف السوري لأروقة مجلس الأمن. 

لكن ضمن واقع المقاربات التاريخية, هذه ليست المرة الأولى التي يتم السعي  لتأزيم النظام في سوريا للوصول الى لحظة المواجهة. ففي صورة مشابهة يمكن تصنيف ذريعة استخدام الأسلحة الكيماوية كنسخة محدثة من ذريعة اغتيال الرئيس رفيق الحريري, و التي وضعت النظام السوري في خانة ضيقة الخيارات في الفترة الممتدة بين العام 2005-2008. اما المبادرة الروسية فهي تبدو اليوم كأنها جزئية المناورة المشابهة لخطوة التماهي السوري مع الضغوطات و التي تمثلت بانسحاب القوات السورية من لبنان و ما تبعها من ضغوطات. لهذا كما اختفت ذريعة اغتيال الحريري من المرجح ان تختفي قضية الكيماوي تدريجياً بالتزامن مع ظهور الطلبات السياسية الأمريكية  و رغبتها بفرض شروطها المتعلقة بملف التسوية السورية. الأهم ان قضية الكيماوي نقلت الأزمة السورية الى أروقة مجلس الأمن و بالتالي أسست الى وضع القضية بين يدي المجتمع الدولي, بعد تجريد الولايات المتحدة من أهم مسوغ للحرب.

أما القراءة السياسية للتطورات الأخيرة فتشير بلا شك الى أن بوابة الكيماوي تؤسس للوصول الى التسوية السياسية وفقاً لتفاهمات امريكية روسية مع التأكيد على الرغبة الأمريكية برفع سقف طلباتها. في المقابل, من المتوقع ان تتبنى موسكو لغة تصعيدية تضع الولايات المتحدة امام ضرورة اعتبار المبادرة الروسية أساساً للحل و الا كانت العواقب وخيمة, هذا ما يفسر تصريح الرئيس بوتين القائل أن: " تخلي سورية عن سلاحها الكيميائي يكتسب مغزى فعليا فقط عندما نسمع بتخلي أمريكا عن استخدام القوة."

اذاً, الولايات المتحدة ستحاول اقتناص فرصة تفعيل "جنيف2 " عبر توسعته, و جعله نقطة انطلاق تجاه معادلة التسوية الأوسع. الولايات المتحدة ستبقى تناور بورقة الضربة العسكرية الى حين ضمان الانتقال الى الملف السياسي وفقاً لأغلب الشروط الأمريكية, لكنها في نفس الوقت لن تضيع فرصة استثمار هذه اللحظة لربطها بهدف أكبر مرتبط بالمعادلات الاقليمية من ملف الحل النهائي الى مصير الفصائل و التنظيمات الحليفة لسوريا (حزب الله-الفصائل الفلسطينية).

اذاً, اذا ما اتفقنا ان الولايات المتحدة معنية بربط التسوية السورية على قاطرة التسوية الاقليمية الشاملة, او بالأحرى ان تكون دمشق هي بوابة العبور لهذه لتسوية, اذاً فلابد ان تضع هذه الاستراتيجية محور حلفاء الولايات المتحدة امام تحديات سياسية حقيقية قد تتمثل بانتقال الأزمات السياسية الى تلك الدول. الحكومة التركية و السعودية على سبيل المثال قد تكون على موعد مع زلزال سياسي يشابه تقريباً ما حدث مع اخوان مصر او ما جرى في قطر. هذه الهزات الارتدادية قد لا تقف عند الدول فقط , بل من الممكن ان تشمل ايضاً بعض الشخوص المنخرطة في خضم تطورات هذا المشهد السياسي المضطرب. جون كيري و فريقه في الخارجية مثلاُ. الوزير الأمريكي قد يضطر لدفع ثمن سياسي ناتج عن الانسياق مع الرؤية غير المتوازنة و القراءة الخاطئة للتطورات الأخيرة, و لا نعلم ان كان من الممكن تغطية هذا الثمن تحت غطاء اضطرار كيري للخروج من المشهد تزامناً مع التطورات الصحية السلبية التي قد تطرأ على صحة زوجته.

د.عامر السبايلة

http://amersabaileh.blogspot.com