02 septembre 2012

أحمد المناعي: إذا حكمت “النهضة” سيعود التونسيون إلى المنافي

ارفعوا أيديكم

نفى د. احمد المناعي، المفكر و المعارض السياسي لنظام بن علي و رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية و المحسوب على حركة النهضة، اية علاقة بها ما عدا دفاعه الشرس عن معتقليها السياسيين و صداقته العميقة بأهم رموزها وبخاصة الذين غادروها على اثر محاولة انقلاب 1991 و قضية "ستينغر" محذرا في حوار مع "المجلة" من القنبلتين الموقوتتين اللتين تجرهما الحركة و هما "التنظيم السري و المال الذي لا احد يعلم من أين يأتي و أين يصرف" . 
أحمد المناعي
 أحمد المناعي

تحوّل المناعي من أكبر المدافعين عن الاتجاه الإسلامي إلى أكثر الناس انتقادا لحركة النهضة. هل تغيرت المواقف بتغير الأسماء أم أن ما خبره الرجل في المنفى الباريسي منذ 1991 جعله يغير رأيه؟
في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها وعما يعرفه عن محاولتي انقلاب 1987 و 1991 التقت “المجلة” الدكتور أحمد المناعي وكان لها معه الحوار التالي:
“المجلة”: اتهمكم الكثيرون وبخاصة الإسلاميون بعقد تسوية مع نظام بن علي مكنتكم من الرجوع إلى تونس. ما هي حقيقة حيثيات عودتكم إلى الوطن؟
ـ لم تكن هناك تسوية مع النظام و لا بيع و لا شراء، ما حصل هو أنني في سنة 1992 تلقيت رسالة شفوية من الرئيس السابق كان قد بلغها لي شخص في مناسبتين و قد قضيت في المرتين ساعات في التفاوض و كان فحواها أن الرئيس مستعد للنظر في قضيتي بطريقة أخرى أكثر إنصافا و رفضت لأنني حينها كنت ارتب لخروج عائلتي من تونس ثم جاءتني دعوة أخرى في سنة 2006 من بن علي عن طريق شخص آخر و كانت في المناسبة الأولى شخصية لتشمل في المرة الثانية أشخاصا آخرين.
و دام التفاوض أيضا ثلاثة أيام و اصريت خلاله على طرح قضية المساجين السياسيين التي كان الرد فيها “أنها ستحل في انتخابات 2009″ ليسدل الستار حتى سنة 2008 بعد حوار أدليت به لقناة “الجزيرة مباشر” حول المعارضة المشتتة في تونس و الضعيفة و كانت هذه قناعتي فعلا بما أنها لا يمكن أن تمثل البديل للنظام.
و ذكرت بخاصة أن هناك حزبا كان في وقت من الأوقات قادرا على مواجهة الحزب الحاكم إلا انه استعجل أمره و أراد الانقضاض على السلطة عبر محاولتين انقلابيتين في 1987 و في 1991، و كان ذلك التصريح في 12 يونيو ، في اليوم الموالي أي يوم 13 تلقيت مكالمة هاتفية من موظف سام في السفارة التونسية بباريس أعلمني برغبة السفير بمقابلتي و هو الذي حصل في اليوم الموالي.
و بعد ساعة و نصف الساعة من الحديث قال لي السفير “الرئيس يبلغك بانك تستطيع العودة إلى بلادك”، شكرته لان ذلك من ابسط قواعد الأدب و تحول الحديث إلى نقاش حول إمكانية رجوع عائلتي من دون مساءلة لأنني كنت أيضا اخشى أن تكون قد صدرت في شان أفرادها أحكام و أبلغته برغبتي بان يقع النظر في قضية المساجين السياسيين. و بعد أسبوع أجابني بعدم وجود أحكام ضد عائلتي و كان الرجوع إلى تونس يوم 14 أكتوبر 2008 و في نوفمبر وقع إطلاق سراح المساجين السياسيين بما فيهم الصادق شورو (الرئيس السابق لحركة النهضة) .
و على أية حال أنا قاومت النظام مقاومة سياسية و لم أتعاون مع أطراف أجنبية ولم اتآمر عليه و لم أشارك في التخطيط لقلبه و لم اخطط لقتل أي كان و للأسف علمت بكل هذا لاحقا وهو ما جعلني اتخذ موقفا من الذين ادخلوا البلاد في أزمة طويلة.


انقلاب النهضة

“المجلة”: كنتم من ابرز المدافعين عن حركة النهضة و فجأة غيرتم موقفكم، ما السبب؟
ـ دفاعي عن النهضة كان يمكن أن يكون عن أي حركة سياسية أخرى تريد أن تشارك في الحياة السياسية بطريقة قانونية و عندما أعلنت حركة الاتجاه الإسلامي عن تأسيسها سنة 1981 و حين و قع إيقافها دافعت عنها مع مناضلين آخرين توفو ا الآن و منهم المرحوم حمادي فرحات و علي الارناؤوط . في خريف 1981 طرحت قضية مساجين حركة الاتجاه الإسلامي في مؤتمر انعقد في اليونسكو و هو مؤتمر جمعية الإسلام و الغرب، ثم كنت أنا و الأستاذ الطيب قاسم و الأستاذ محمد الطالبي المستهدف الآن من طرف النهضة أول من طرح هذه القضية في تونس و دفاعي هذا عرضني الى انتقاد شديد من عرب و أوروبيين و اذكر منهم اندريه فونتان رئيس تحرير جريدة لوموند.
اذكر أيضا أنه في 1978 طلب مني راشد الغنوشي (رئيس حركة النهضة) أن اعرفه على بعض الشخصيات العامة و السياسية و اولها المرحوم عبد الله فرحات وزير الدفاع و دخل الغنوشي الى الوزارة من الباب الرئيس و ليس من الباب الخلفي وعرفته بالطالبي و الفيلالي و غيرهم .. و كان لي تصور مفاده أن تعايش حزبين كبيرين في تونس أمر ممكن في بيئة سياسية سليمة و مسالمة، إلا أنني حين تعرفت على النهضة من داخلها اكتشفت أن ذلك غير ممكن و لما اكتشفت الحقيقة في المنفى أدركت أنني كنت مخطئا رغم أنني كنت قد قررت سابقا انه لا يمكنني السكوت عما رايته في أقبية وزارة الداخلية من معاناة للسجناء الإسلاميين.
اذكر أن الحبيب المكني (النهضة) اتصل بي ليدعوني لمقابلة راشد الغنوشي و تناقشنا ثلاثتنا مطولا لاكتشف بعدها أن القضية ليست قضية نظام مستبد هجم على حركة مسالمة و إنما أعمق و اكبر من ذلك بكثير، فقررت أن ابحث و فعلت لأكتشف أن حركة النهضة لم تكن شبيهة بحركة الديمقراطيين المسيحيين و لا بالأحزاب الديمقراطية كما كنت اعتقد و الدليل أنني و بعد تكويني للجنة إعلامية لمتابعة الأحداث قررت الانسحاب و أبلغت الغنوشي بذلك عن طريق الحبيب المكني بعدما اكتشفت أن الحركة كانت تخطط لانقلاب وكان من الأمانة عدم توريط المساندين للحركة و الشركاء و الأنصار لأن هذا هو الحد الأدنى الأخلاقي و أنا الآن بصدد الكتابة عن هذا و سيصدر قريبا كتاب يحتوي على الكثير من التفاصيل.

تنظيم سرّي

“المجلة”: ما حكاية محاولات الانقلاب التي أكدها بعض قيادات النهضة و أنكرها البعض الأخر؟
ـ هناك مشكل كبير في الحركات الإسلامية ذكره فتحي يكن الزعيم الإسلامي اللبناني و الذي يقول إن الحركات الإسلامية جالسة على قنبلتين موقوتتين، الأولى هي التنظيم السري و الثانية هي الأموال، من أين تأتي و كيف تصرف، و اعتقد أن حركة النهضة تجلس الآن على هاتين القنبلتين.
هناك من يتبجح يوميا بمحاولة انقلاب 1987 منذ 14 يناير (فرار بن علي) و فعلنا كذا و كذا و جمعنا كذا.. و ارجعوا لتصريحات هذا السيد الذي كان المسؤول الميداني للحركة، أنا أيضا اذكر جيدا حديثا مع الأخ صالح كركر شفاه الله سنة 1992 أعطاني فيه الكثير من المعلومات و ما كانوا ينوون القيام به سنة 1987 حتى أنهم اتصلوا بأشخاص و عرضوا عليهم تولي الحكم اذ كان من الصعب عليهم القيام بانقلاب عسكري و تولية اسم منهم على البلاد وحصل نفس الشيء تقريبا في سنة 1991.
مرت على هذه الأحداث أكثر من عشرين سنة و هي الآن من مشمولات التاريخ الذي يجب أن نقرأ صفحاته جيدا حتى نفهم حاضرنا و نخطط لمستقبلنا و من لا يفهم التاريخ هو غير قادر بالضرورة على فهم الحاضر.
لقد وقع العفو عن الجرائم و الفضاعات التي ارتكبت فبل 14 يناير 2011 و ها هم المظلومون يستردون حقوقهم و أصبح بن علي مطاردا و حزبه منحلا، فمن المفروض ان يقدم الطرف الثاني المسؤول أخلاقيا وسياسيا، فيما اعتقد عما حصل في البلاد، و هو حركة النهضة، توضيحات و اعتذارا لضحاياها اذ لا يمكن طي الصفحة من دون قراءتها.

راشد الغنوشي
راشد الغنوشي

عملية سطو

“المجلة”: لو توضحون لنا ما تقصدونه بـ “مسؤولية” حركة النهضة عما حصل، ثم ما حكاية سطو النهضة على القائمات المستقلة سنة 1989؟
ـ دعينا أولا نتفق على شيء، هل من المشروع و المقبول سياسيا و أخلاقيا أن نغير النظام بانقلاب؟ إذا أعلنت أي حركة سياسية رفضها هذا الأسلوب و شجبته في أدبياتها فيجب أن تلتزم بذلك عمليا و لا تقدم على ارتكاب نفس الممارسات و تبقى حركة سياسية سلمية و لا تتجرأ على أن تخطط مثل هذه المخططات هذا من ناحية ، أما من ناحية أخرى و بخصوص الجزء الثاني من السؤال و انتخابات 1989 فقد تشكلت قوائم بمبادرة من حركة النهضة و تشكلت أخرى في الجهات، مثلا في و لاية المنستير كون أبناء الجهة قائمة مستقلة و هم معروفون باستقلاليتهم و لا اذكر وجود اي عنصر من النهضة فيها كما هو الحال لباقي القائمات في الجهات الأخرى غير أن الحركة أعلنت تأييدها لهذه القائمات المستقلة و بعد الانتخابات توضح أن القضية لم تكن قضية مساندة أو تأييد فحسب بل كانت عملية سطو و اتحدى النهضويين أن يذكروا لي اسما واحدا منهم في القوائم المستقلة.
و اذكرايضا ان قائمتنا كانت قد تحصلت على 20 في المائة و لم يكن فيها نهضوي واحد، و بعد فترة بدا الحديث على ان قائمات الاتجاه الإسلامي قد تحصلت على الأغلبية التي قدروها برقم لا اعلم من أين أتوا به و هو 80 في المائة.
المضحك أيضا أنني اذكر أن برقية مسربة لويكيليكس قد ذكرت أن احد القياديين النهضويين قد قال لمسؤول في السفارة الأمريكية أن الحركة كانت قد تحصلت على 60 في المائة في انتخابات 1989 في حين أن خطاب شيخه الرسمي يتحدث عن اكسر من 80 في المائة فسخر منه المسؤول الأمريكي الذي كان يعرف أكثر مني و من راشد و من هذا القيادي حقيقة حجم و تمثيلية النهضة و بأكثر دقة. ثم إذا كانت للحركة هذه النسبة لماذا لم تقم بتحريك الشارع و فرض إرادتها لأنها أغلبية و
تحظى بتأييد الشعب و خيرت قيادتها الخروج من البلاد؟
“المجلة”: كنت قريبا من الإسلاميين في المنفى، ما كانت حقيقة علاقتك بهم
ـ ….. (ضحك) و قع الاعتداء علي من أجهزة النظام في فرنسا مرتين و كدت أموت و كانت المرة الأولى في 29 فبراير 1996 و الثانية في 14 مارس 1997 وما اذكره عند الاعتداء الأول أن راشد الغنوشي الذي عرفته صديقا منذ سنة 1968 لم يتصل بي و لم يهاتفني و لم يعبر حتى عن إدانته لما حصل لي و في المرة الثانية أصدر بيانا استنكر فيها العملية الشنيعة و … و …. و ذكر أن احمد المناعي المعارض السياسي قد تعرض للاعتداء في أحواز باريس و ذكر أيضا أن بيت ابنته زوجة فلان قد تعرض لمحاولة خلع في أحواز لندن و هو ما أضحكني و تساءلت حينها متى سيقلعون عن الركوب على الأحداث و على مأساة الآخرين؟ كدت أنا أن أموت و تكتب أنت عن محاولة خلع بيت ابنتك.

علاقة وهمية

“المجلة”: تتهم بعض الحركات الإسلامية بممارسة العنف، هل تتوقعون عودة العنف بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011
ـ المجتمع التونسي ليس بالمجتمع المسالم الذي كنا نعتقد، فيه الكثير من العنف الذي أرى أسبابه عديدة و القضية هنا تتعلق بالعنف السياسي. أنا اعتقد أن ما فعلته النهضة في سابق الأيام لن يعاد لأنها تحاول أن تقدم نفسها كحزب سياسي، و لا احد ينكر أن الكثير من المواطنين سيصوتون للنهضة من دون معرفة حقيقتها ولا تاريخها ولا خفاياها ولا ما قدمت و ما أخرت و هي تريد أن تظهر، إقليميا و دوليا، على أنها حركة قادرة على مسك السلطة و إدارة البلاد و هو يدفعها تحديدا إلى تقليم أظافر الأشخاص أو التيارات الدافعة للعنف داخلها و تحرص على أن تبدو كحزب اردوغان في تركيا و هذه في الحقيقة مغالطة سياسية كبيرة و وهم خلقته النهضة فلا توجد أية علاقة بين هذا الحزب و الحركة.
أعطيك مثالا، حزب اردوغان قام بمراجعات كبيرة للحركة الإسلامية في تركيا، و الجيل الجديد من الإسلاميين اكتشف أن ما تخطط له الحركة سينتهي بمأزق لان الحركات الإسلامية لا تقبل بالعلمانية بينما أصر اردوغان و جيله على تسجيل حضورهما و القبول بالعلمانية كأساس للمجتمع التركي و قاما فعلا بمراجعات فكرية و سياسية و قطعا مع من قبلهما فوقع تكفيرهما بينما لم تقم حركة النهضة باية مراجعات رغم ادعائها ذلك و أنا شخصيا لم أر أيا منها.

راشد الغنوشي وعبدالمنعم أبو الفتوح مرشح الرئاسة في مصر يزوران تركيا لتعزية أردوغان في وفاة والدته
راشد الغنوشي وعبدالمنعم أبو الفتوح مرشح الرئاسة في مصر يزوران تركيا لتعزية أردوغان في وفاة والدته
ثم إن الحركة ليست دكانا خاصا تخبأ فيه الودائع و الوثائق و ندعوها كحركة تريد أن تحكم البلد أن تطلعنا على مراجعاتها. بعد 40 سنة من الصراع مع بورقيبة قالوا ” و الله مجلة الأحوال الشخصية ممتازة” لماذا لم تقبلوا بها إذا عند صياغتها؟ قالوا “الفصل الأول من الدستور ممتاز” لماذا لم تقولوا ذلك سنة 1981 و جنبتم البلاد صراعات دامت ثلاثين سنة؟ .. و الحقيقة أنها كانت ترفض أشياء كثير قبلت بها الآن فجأة من دون أن تعطي للمجتمع أسباب و دوافع التغيير الفجئي الذي حصل في ستة اشهر، كانت أدبيات النهضة حتى ديسمبر 2010 مختلفة تماما عما يصرح به أعضاؤها و قياديوها الآن.
نقطة أخرى بخصوص العلاقة الوهمية بين النهضة و العدالة والتنمية و التي لا أساس لها من الصحة و هي أن اردوغان كان ضحية العسكر بينما حاولت النهضة الانقلاب بتوظيف العسكر و هذا احد أوجه التناقض بين الاثنين.
القضية إذا هي التالية بالنسبة للحركات الإسلامية: اما انها تريد المساهمة في مجتمع ديمقراطي و حر أو بناء مجتمع يخضع لأوهام؟ اذا و قع اختيار المشروع الأول، يجب إذا القطع مع توظيف الدين و دعيني أسوق لك مثلا بين قوسين، أنا أصبحت أتجنب دخول المساجد يوم الجمعة مبكرا و لا ادخل إلا قبل الصلاة بدقائق لأنني أريد أن أتجنب صراعات تنصيب الأئمة ثم إن الفصل الأول من الدستور واضح.. الإسلام هو دين البلد وأنا أقول لهم ارفعوا أيديكم عن الدين و اخشى ما أخشاه و في صورة ما إذا صعدت النهضة إلى الحكم و هو السيناريو الثاني، سيعيش الكثيرون تجربة المنافي و يترك بعض الناس الإسلام كدين و حينها ستكون الكارثة.
حوار: شهرزاد عكاشة

Aucun commentaire: