|
|
زينب الطحان | |
من
منا يمكن له أن ينسى تلك الكلمات، التي أبكت كل عين، واستحوذت على كل
وجدان، وأشعرتنا بالفخر والعزة وبصلابة الانتماء وعمق الهوية.. أتذكرون
رسالة الأمين العام السيد حسن نصرالله للمجاهدين في حرب تموز العام 2006،
ونحن في قلب الحرب نعض على الجراح وننتظر النصر الذي وعدنا به.. كلماته هذه
التي كتبت الحرب بلغة الأدب وقيمته وبعمقه الإنساني الفريد.. في قراءة
معمقة لهذه الرسالة من موقع المنار أجريناها مع الشاعر العربي الكبير محمد
علي شمس الدين والدكتور الناقد علي حجازي. كانت القراءة أن وضعت هذه
الرسالة في مصاف قيم أدب الأنبياء والرسل ودخلت التاريخ من بابه الواسع في
أنها أول رسالة من قائد لجنوده تمجدّ روح التواضع والأخلاق الرفيعة
والمنزلة العليا حتى يمكن أن تصوغ كيف يمكن أن تكون علاقات القادة مع
جنودهم.
الشاعر محمد علي شمس الدين : الإنحناءة العظيمة نحو تراب الأرض هي انحناءة الأنبياء والرسل
إنه
خطاب فيه من العاطفة والإيمان ما فيه من الصلابة والبرهان خطاب قاطع
كالفأس أو كالحق متواضع كالغصن شفاف كالعشق.. هذه الرسالة لسيد المقاومة
يحسن أن ندرّسها لأبنائنا كما تدرس خطب الرسل والأئمة العظام. هي من الخطب
النادرة في العصر الحديث، لأنها تصف تلك العلاقة الخاصة بين القائد وجنوده
المجاهدين وتصف حالا من أحوال الحرب. فيها طرفان ولكنهما متكاملان متعارفان
وهي كما جاء في الرسالة المجاهدين لسماحة السيد، خطاب كمن يعرف الأخر،
قالوا له "أنت تعرفنا جيدا ونحن نعرفك، نحن ثابتون هنا وعند رهانك علينا
.." إذن طرفا الخطاب أو الرسالة، هما الطرف الأول المجاهدون والطرف الثاني
سيد المجاهدين وأحدهم قائدهم وخادمهم في وقت واحد وخطابه إليهم في إبان
المعركة هو من أرقى ما سمعت وما قرأت يثير الحماسة في القلب ويكاد يوصل
دمعة التأثر إلى العينين.
يقول لهم خطابا رائعا :" أنتم الوعد
الصادق، أنتم النصر الأتي أنتم تحرير الأرض والإنسان أنتم حمى الأرض والعرض
أنت أصالة الأمة وخلاصة روحها وثقافتها وقيمها وعشقها وعرفانها". وهنا
أتوقف عند كلمتين "أنتم ثقافة الأمة وأنتم عشقها وعرفانها". فالثقافة هي
هنا التربية الجهادية الرائعة التي يعدّ المجاهدون تلامذة في مدرستها
الكبرى ويعد السيد أستاذهم الأعظم إنها ثقافة المقاومة، وهي تختلف عن أي
ثقافة أخرى إنها تتأسس على أقانيم عشق الأرض والحياة والحرية وتأليه الله.
لأن هذا العشق للأرض والكرامة يريده الله لعباده. أما الكلمة الثانية التي
توقفت عندها فهي "أنتم عشق هذه الأرض وعرفانها". وهذا شيء يخص الروح،
العشق والعرفان، فالمقاومون أمة عرفانية والعشق هنا هو عشق الحياة والله عز
وجل والأرض وكله يندرج في عشق الله المجاهدون هم عشاق الله. ثم ينتقل في
خطابه بعد ذلك إلى الحيز القريب أو الحيز الميداني الذي يتحرك فيه هؤلاء
المجاهدون ويشير من خلال عدة ألفاظ إلى لبنان، إلى وطنه ووطننا ووطن
المجاهدين، "أنتم خلود الأرز"، الأرز رمز لحجر قديم وصلب وعال. ويقول
:"أنتم تواضع السنابل، إذن اقتران الخلود والعلو بتواضع السنابل. ويقول
:"أنتم الشموخ كشموخ جبال لبنان"، فالمجاهدون لا يقاتلون من اللاشيء، ولا
يقاتلون فقط بالإيديولوجيا، لكنهم يقاتلون على تراب وصخر وفي جبال وعلى أرض
محدودة ومعروفة كانت محتلة ومغتصبة ثم تمّ تحريرها من قبل هؤلاء
المجاهدين.
وأنا
اعتقد أن تاريخ الحرية في لبنان اكتملت حلقته الكبيرة بتحرير الجنوب
اللبناني وصمود المجاهدين خلال حرب تموز العام 2006 . السيد هو قائد
المجاهدين ولكنه أيضا خادمهم، وهنا بلاغة لا يعلى عليها. وهذه البلاغة تجلت
في كلمات في منتهى البيان، لم تبدأ بالرؤوس وتنتهي بالأقدام. ويقول "أقبل
روسكم العالية.. أقبل أياديكم القابضة على الزناد لحماية الأرض والعرض" ،
ولكن الأهم قوله "أقبل أقدامكم المنغرسة في تراب الأرض". هذه الإنحناءة
العظيمة للرجل نحو تراب الأرض وأقدام المجاهدين هي انحناءة الأنبياء
والرسل، عليهم السلام. لقد لفت انتباهي في هذه الجملة ما قاله السيد
المسيح، عليه السلام، لتلامذته عندما التفت إليهم وبدأ بغسل أقدامهم .
إن السيد يقول "أقبل أقدامكم" فهي أكبر
وأبلغ من غسل القدمين، تقبيل القدم المنغرس في تراب الأرض، هو برأي الشخصي،
هو عبادة من أرفع أنواع العبادة. ويقول "أنتم القادة وأنتم السادة وأنتم
تاج رؤوس الأمة ورجال الله ..". فمن هو القائد؟.. ليس هو من يتسيد ويتمتع
بصفات القيادة ويبعد نفسه عن المجاهدين والناس، بل القائد هو نفسه المجاهد
وهو السيد وهو في الحقيقة تاج رأس الأمة مهما كان أصله فقيرا أم غنيا،
قريبا أم بعيدا، ومهما كان لونه أسود ام أبيض .. هذا ما يقوله السيد في
رسالته العظيمة وينتهي بأن يقول لهم إن "أنتم القادة وأنتم السادة" وهم في
الحقيقة جنود وكل جندي قائد. وهذا أرفع ما يمكن في معنى التصاق المجاهدين
بقيادتهم بحيث يصبحون هم القادة والسادة وهو جندي بينهم . وهذه مسألة غير
موجودة في التواريخ المعروفة، فدائما ما كان ثمة هوة أو مسافة تفصل بين
القيادة التي عادة ما تكون ارستقراطية ونخبوية وأمرية عسكرية وبين الجنود.
هنا يقول لهم "أنتم القادة وأنتم السادة وأنتم تاج رؤوس الأمة ورجال
الله.." . هذه الجمل تقودنا إلى ما نعرفه نحن في تراثنا وذكرتني بالإمام
موسى الصدر، عندما كتب مقالة عظيمة بعنوان "إمامة الشهيد"، وهي في الحقيقة
إمامة المجاهد، وتكريس هذه الإمامة بالشهادة. فالمجاهد بمعناه الحقيقي في
الإسلام، هو الإمام أي هو القدوة والسيد. ".
الدكتور علي حجازي: لأول مرة في التاريخ يقول قائد لجنوده وأحبائه "أقبل أقدامكم"
"وصلتني رسالتكم وسمعت مقالتكم"، يؤكد سماحة السيد على ما التزم به المجاهدون وما أطلقوه من صفات على أنفسهم "أنتم الوعد الصادق وأنتم النصر الأتي وأنتم حرية الأسرى" يعود ليؤكد على ما كانوا حددوه من مواقع لهم في رسالتهم له خلال الحرب، كأنه يصادق على هذه المواقع. ولاحظي في هذا الخطاب يقول لهم "يا أخوتي"، قائد على مستوى سماحة السيد يخاطب المجاهدين بأنهم أخوته، فهم قالوا "يا سيدنا"، هم حفظوا موقعهم أنه بالنسبة إليهم هو قائدهم وسيدهم. ويقول :"أنتم أصالة تاريخ هذه الأمة" هذه العبارة لها معناها الكبير ، إذا ما عدنا إلى الأصالة وإلى الجذور وإلى العهد المحمدي الأول الصافي والنقي، إذ يقول لهم أنتم صفاء هذا الانتماء وأصالته. "أنتم خلاصة روحها، أنتم حضارتها وثقافتها قيمها عشقها عرفانها..أنتم الرجولة". فعند العرب كانت الرجولة تعني الشيء الكثير، الإمام علي (ع) في خطبة الجهاد قاله لهم :" لوددت أني لم أعرفكم يا أشباه الرجال". فأقصى الإهانة أن تقول لإنسان وللعربي تحديدا "أنت شبه رجل".
ويقول لهم سماحة السيد "أنتم الشموخ على
العاتي والمستعلي"، العاتي من العتو، والله أوصى بألا تصعرّ خدك للناس،
تكبرا وتعجرفا، هو يقول إن الاستعلاء على المتكبر والمستعلي رحمة. "وأنتم
الأمل وأنتم الرهان، كنتم وما زلتم وستبقون" هذه علاقة حميمة بين أب
ومجاهديه. ونلتفت إلى الأهم في هذه العلاقة الحميمة عندما يقول "أقبل
رؤوسكم " يبدأ من فوق "أقبل أياديكم القابضة على كل زناد أقبل أقدامكم
المنغرسة في الأرض"، وهنا التشابه مع الإمام علي، عليه السلام، عندما يقول
"تد في الأرض قدمك"، ولم يقل أقدامكم لأنه يرى أن كل أقدام هؤلاء المجاهدين
هي قدم واحدة، وهي دلالة على الاتحاد والوحدة. يقول "أقبل أقدامكم
المنغرسة في الأرض"، ولأول مرة في التاريخ يقول قائد لجنوده وأحبائه "أقبل
أقدامكم". وهي أيضا دلالة على العلاقة الحميمة، فالأب يقبل رجل ولده الصغير
تحببا، وهذا أقصى درجات التحبب، فهو يعدهم أطفاله الصغار يقبل أعلى رأسهم
إلى أقدامهم. هو يقصد الأقدام المقاومة التي يجب أن تقبل. هنا خطاب الإمام
علي حاضر في كل هذا الخطاب.. "جوابي لكم شكري لكم إذا قبلتموني واحدا
منكم"، لاحظي هذا التواضع الشديد.
ويقول
لهم "أنتم السادة"، العرب كانوا يسألون بما سوّدك قومك يا فلان، بما جعلوك
سيدا عليهم، بالحلم بالكرم بالقوة بالعطف باللين بالتواضع بالشدة بالدفاع،
"وانتم تاج الرؤوس ومفخرة الأمة" الأمة لا تغيب عن بال السيد، فهو طامح
أبدا إلى خلق أمة جديدة قديمة، قديمة التي تعتمد على قيم الإسلام الأول
وأصالته الذي هو حاضر عنده دائما. "أنتم رجال الله الذين بهم ينتصر الله"
والنصر يكون دائما من عند الله، وهو يرى نصره نصرا إلهيا. وعندما يبلغ عمق
العلاقة بين القيادة والقادة المقدار الذي بلغته علاقة المقاومين بسماحة
السيد، عندها علينا أن نعلم جميعا أن النصر أت أت أت.
|
24 juillet 2012
Lu sur Manar Website.....
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire